أصبحت وفاء ثانية…
أنا من داريا، من ريف دمشق. وصلت الى لبنان في شهر تموز عام ٢٠١٤. حينها عملت في بيروت مساعدة في مختبر أسنان. كان هدفي حين أعود الى بلادي أن أتعلم الطب المخبري. بعدما شاركت كمتطوعة مع برنامج العمل للأمل لمحو الأمية وإثر سلسلة من ورشات العمل التي شاركت فيها منها ورشة للكتابة الصحفية وورشة تصنيع دمى – تغيرت وجهة حياتي. اكتشفت شيئاً فشيئاً مجالات عمل لم تكن متداولة كثيراً في محيطي في سوريا. حصلت على منحة جزئية من العمل للأمل لأدرس التصميم العرافيكي في جامعة LIU ثم انضممت لورشات العمل المتعلقة بالمسرح.
زادتني ورشات المسرح التي شاركت فيها قوةً. المسرح أعطاني مساحة آمنة لأتعلم أن أعبر عن نفسي ولأتعلّم كيفية القيام بذلك وهذا أمرٌٌ مهم. قدمنا عرضين لمسرحية “الفيل يا ملك الزمان” (سعدالله ونوس) في الجامعة اليسوعية، مع المخرجة كريستيل خضر، ثم قمنا، بعد سنة، بجولة في صيدا وصور وطرابلس والبقاع. تركت هذه المسرحية إنطباعاً ايجابياً لدى كل من حضرها. الناس كانوا يسألون إن كان هنالك من جزء ثاني للعرض.
بعد المسرح تم قبولي في مدرسة السينما. كنت أعتقد أنني لست مبدعة في هذا المجال الذي لم أكن أعلم عنه. أحياناً كنت أسأل نفسي ماذا أفعل هنا؟ لا شيء يظبط معي وكنت أجد نفسي فاشلة… ثم لمس أساتذتي تطوراً كبيراً من بداية السنة حتى آخرها وبات أكثر ما أحب بين المواد التي تعلمتها المونتاج، الإخراج والكتابة. وجدت نافذة إضافية تتيح لي أن أشارك أفكاري ومشاكلي. صرت أحكي عن الإشياء التي تعنيني وهذا ما شجعني فعلاً على المثابرة لأنني كنت خجولة جداً ومنعزلة اجتماعياً. مع السينما وجدت أن لي كيان في هذا المجتمع .
كثيراً ما كنا نتناقش في المدرسة لدى حضورنا بعض الأفلام أو خلال الحصص. لم تكن علاقتنا فيما بيننا وبين المدرسة وطاقمها منحصرة بإتمام مشروع التخرج وينتهي الأمر. العلاقة كانت أعمق من دروس تقنية ومتوجبات للحصول على شهادة. أذكر عندما حكيت مشروع التخرج لزملائي وهي قصة حصلت معي فعلاً: كنت أنا وأختي زهرة على السطح. كنت في السابعة عشر من عمري وكان يوجد قناص على مسافة بعيدة كاشفة على أسطح كل المنطقة. أطلق القناص أول طلقة نارية. أتت بدرابزين السطح. أنا وزهرة ركضنا. حاولنا الهروب. الطلقة الثانية أصابت الحمامة بدل أن تصيب إحدانا. تناقشنا حول الحكاية التي أقترحتها لفيلمي وتشاركنا الوجع، كنا كعائلة.
عندما دخلت مدرسة السينما، تحرّكت ملكاتي الإبداعية وساعدني هذا الأمر في اختصاص التصميم الغرافيكي. لم يعد مجرد اختصاص متاح وتقني. صرت قادرة أكثر، من خلال الحصص والصفوف التي أخذتها، أن أطوّع إبداعي وخيالي.
أثناء دراستي، عملت مساعد مخرج في معظم أفلام أصدقائي وساعدت في كل الأفلام. كنت أكثر الأشخاص حفاظاً على المعدات وتنظيم الوقت وما الى هنالك من أمورٍ لوجستية. وحين كان ينتهي التصوير، كنت أنا مسؤولة عن جرد المعدات مع المدربة. عند الإنتهاء من تصوير أفلامنا، حللت بشكل مؤقت مكان أحد موظفي العمل للأمل ثم صرت منسقة مدرسة السينما بشكل دائم. أعمل ثماني ساعات كل يوم، أنسق مع الطلاب والأساتذة وأنتبه على المعدات ولا أمانع أن أبقى بعد الدوام. اذا كان هنالك تصوير لأحد الطلاب وإن لم أذهب معهم الى موقع التصوير أشعر، أينما كنت، أنني في المكان الغير المناسب. أفضل أن أكون معهم حتى لو بقيت للثانية صباحاً. أكتب الآن هذه الكلمات وعيوني تتوجه كل دقيقة الى الخارج حيث يصوّر الطلاب.
منذ صرت جزءاً من برامج العمل للأمل، تغيرت كل أفكاري. أصبحت وفاءً ثانية.
لم تعد تعنيني كل الأمور الهامشية والسطحية التي تعني الفتيات في سني. تعلّمت أن أفكر بنفسي أكثر، كيف أتطوّر وماذا أضيف لنفسي. بتّ قادرة أن أدافع عن نفسي وعن عددٍ كبير من الفتيات اللواتي يعشن في مجتمع ذكوري. لا يستطيع أحد اليوم أن يعتدي على حق من حقوقي.
صاحب الحكاية: وفاء دحوس
الممارسة الفنية: سينما
جمع وتحرير: منى مرعي
الزمان والمكان: ١٩ أيار ٢٠١٩ مدرسة العمل للأمل – بر الياس